سورة النازعات - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}
واعلم أن هذين الوصفان مضادان للوصفين اللذين وصف الله أهل النار بهما فقوله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} ضد قوله: {فَأَمَّا مَن طغى} [النازعات: 17] وقوله: {وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} ضد قوله: {وَءَاثَرَ الحياة الدنيا} [النازعات: 38] واعلم أن الخوف من الله، لابد وأن يكون مسبوقاً بالعلم بالله على ما قال: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] ولما كان الخوف من الله هو السبب المعين لدفع الهوى، لا جرم قدم العلة على المعلول، وكما دخل في ذينك الصفتين جميع القبائح دخل في هذين الوصفين جميع الطاعات والحسنات، وقيل: الآيتان نزلتا في أبي عزيز بن عمير ومصعب بن عمير، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزيز يوم أحد، ووقى رسول الله بنفسه حتى نفذت المشاقص في جوفه.


{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)}
واعلم أنه تعالى لما بين بالبرهان العقلي إمكان القيامة، ثم أخبر عن وقوعها، ثم ذكر أحوالها العامة، ثم ذكر أحوال الأشقياء والسعداء فيها، قال تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها}.
واعلم أن المشركين كانوا يسمعون إثبات القيامة، ووصفها بالأوصاف الهائلة، مثل أنها طامة وصاخة وقارعة، فقالوا على سبيل الاستهزاء: {أَيَّانَ مرساها} فيحتمل أن يكون ذلك على سبيل الإيهام لأتباعهم أنه لا أصل لذلك، ويحتمل أنهم كانوا يسألون الرسول عن وقت القيامة استعجالاً، كقوله: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشورى: 18] ثم في قوله: {مرساها} قولان أحدهما: متى إرساؤها، أي إقامتها أرادوا متى يقيمها الله ويوجدها ويكونها والثاني: {أَيَّانَ} منتهاها ومستقرها، كما أن مرسى السفينة مستقرها حيث تنتهي إليه.
ثم إن الله تعالى أجاب عنه بقوله تعالى: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} وفيه وجهان الأول: معناه في أي شيء أنت عن تذكر وقتها لهم، وتبين ذلك الزمان المعين لهم، ونظيره قول القائل: إذا سأله رجل عن شيء لا يليق به ما أنت وهذا، وأي شيء لك في هذا، وعن عائشة لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت هذه الآية فهو على هذا تعجيب من كثرة ذكره لها، كأنه قيل: في أي شغل واهتمام أنت من ذكرها والسؤال عنها، والمعنى أنهم يسألونك عنها، فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها.
ثم قال تعالى: {إلى رَبّكَ منتهاها} أي منتهى علمها لم يؤته أحداً من خلقه الوجه الثاني: قال بعضهم: {فِيمَ} إنكار لسؤالهم، أي فيم هذا السؤال، ثم قيل: {أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} أي أرسلك وأنت خاتم الأنبياء وآخر الرسل ذاكراً من أنواع علاماتها، وواحداً من أقسام أشراطها، فكفاهم بذلك دليلاً على دنوها ووجوب الاستعداد لها، ولا فائدة في سؤالهم عنها.


{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معنى الآية أنك إنما بعثت للإنذار وهذا المعنى لا يتوقف على علمك بوقت قيام القيامة، بل لو أنصفنا لقلنا: بأن الإنذار والتخويف إنما يتمان إذا لم يكن العلم بوقت قيام القيامة حاصلاً.
المسألة الثانية: أنه عليه الصلاة والسلام منذر للكل إلا أنه خص بمن يخشى، لأنه الذي ينتفع بذلك الإنذار.
المسألة الثالثة: قرئ منذر بالتنوين وهو الأصل، قال الزجاج: مفعل وفاعل إذا كان كل واحد منهما لمايستقبل أو للحال ينون، لأنه يكون بدلاً من الفعل، والفعل لا يكون إلا نكرة ويجوز حذف التنوين لأجل التخفيف، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال، فإذا أريد الماضي فلا يجوز إلا الإضافة كقوله هو منذر زيد أمس.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9